تصنيف الولايات المتحدة الامريكية لأنصار الله “منظمة إرهابية أجنبية” يعني تصعيدًا أمريكيًّا من نوع آخر ضد اليمن وسيقابله رد يمني في كيفية التعامل مع الأمريكان في هذه الحالة، حَيثُ لا يمكن تصور سكوت اليمنيين عامة وصنعاء خَاصَّة، ولعل هذا أصبح واضحًا لدى صانع القرار الأجنبي.
يمكن فهم هذا التصنيفُ على أنه عائقٌ هدفُه تأكيدُ الموقف الأمريكي السابق من السلام في اليمن، فمن يتحدث عن أن عملية التسوية السياسية في اليمن ستتأثر بهذا القرار لا يفهم أن أمريكا بالأَسَاس تقف عائقًا أمام أي تحَرُّكٍ أممي في هذا الاتّجاه، وَإذَا كان يُفهم من هذا “القرار” أنه قد يدفع صنعاء للتشدّد أكثر، ويُعرقِلُ جهودَ ووساطة الأمم المتحدة، فالواقع يقولُ بأن لا سلام في اليمن في وجود وحضور الأمريكان وأي دور قد تدَّعي ممارسته باسم “السلام” في اليمن.
فيما يخص المعوقات القانونية التي يضعها هذا التصنيف أمام عمل الوسطاء الدوليين ضمن مساعي السلام في اليمن، يمكن القول إن بعض هذه العراقيل قد لا تكون واقعية، كما يمكن تجاوُزُ بعضها، بحيث لا يمنع عمل الوسطاء الأمميين، مع بعض الترتيبات.
وفي الواقع لم يكن ترامب العام الماضي رئيس أمريكا، حتى يلحظ ما الذي تغير في معادلة مواجهات “اليمن – أمريكا”. وربما لم يكن متابعًا لأحداث 2023، والدور اليمني في نجاح الحصار البحري على كيان العدوّ، ومستوى المواجهات اليمنية البحرية مع ترسانة أمريكا الأكبر في العالم، والتي غَيَّرت من تصورات جنرالات وقادة أمريكيين كبار، قبل غيرهم عن التفوق البحري الأمريكي وقد أسقط اليمن رهانات تل أبيب على قوة واشنطن لفك القيد اليمني الصارم على موانئ فلسطين المحتلّة، وما رافق هذا المشهد من تنصل أُورُوبي عن الالتزام بالتحالف الأمريكي “الازدهار” وفتح أُورُوبا نافذةَ تواصُلٍ سياسي خفيةً بعيدًا عن واشنطن، ومشابهةً تلك الممارسات بما يتسق مع تغيرات قوى العالم الجديد.
ومع تغير المعادلات كما أشرنا يمكن إدراك أن لا مصلحة لأحد في استعداء اليمن سوى الأغبياء ولانعتقد أن أحدًا بمستوى الغباء السياسي لحاكم أمريكا الجديد، هذا ما يعني أن هناك من حول واشنطن ومن دائرة حضورها سيتعاملون مع قرار التصنيف لأنصار الله برؤية مختلفة كما تعاملوا مع تحالف بايدن البحري في مواجهة اليمن، وإن كانوا قد حضروا عبر عمليات بحرية “أسبايدس”.
يمكن الاستشهاد مختصرًا على ضعف التصنيف الأمريكي بإعادة قراءة التصنيف الترامبي الأول لليمن قبل خروجِه من البيت الأبيض، حَيثُ كان الموقفُ الأُورُوبي يرى في التصنيف أمرًا غيرَ مستحسن للتعامل مع صنعاء. وقتَها قدَّمَ الاتّحاد الأُورُوبي من بروكسل عدة ملاحظات حول ذلك التصنيف.
وبالنسبة لليمن فهذا التصنيف لا يعني شيئًا فيما يخص المِلفات على طاولة التسويات الملحة والتي أخذت وقتًا أطول مما ينبغي للبت فيها، والتي لا يُحبَّذُ أن تكون واشنطن جزءًا منها. هذا الملف يرتبط جذريًّا بالمملكة، حَيثُ تجد السعوديّة نفسها أمام واقع يطالبها بالمضي في تنفيذ استحقاقات عملية السلام في اليمن، خَاصَّة وأنها تدرك أن هذا القرار (التصنيف الأمريكي) وغيره لا يعني قطع خطوط التواصل أَو تجميد مراحل الحل مع اليمن، فالتصنيف الأمريكي يظل خاصًّا بالولايات المتحدة. وتحالفات أمريكا يمكن تفحصها بسهولة لإدراك أنها تعتمدُ على الكم والتضخيم لا على نجاعة وقوة التأثير، خَاصَّة ما بعد انسحابها من أفغانستان، حَيثُ بدأ التراجع الأمريكي واضحًا، ولم يكن ينقصه سوى اختبار بعض عناصره، والتي سقطت في أول اختبار حقيقي في اليمن.
وفي الواقع يمكن إدراك أن واشنطن لم تعد تملك من أوراق التأثير على اليمن في ضوء ما شهده العام 2023 من متغيرات، حَيثُ من الغباء إعادة اختبار عناصر القوة البحرية مع اليمن، لمُجَـرّد أن ترامب أصبح رئيس أمريكا؛ فهذا لن يغيِّرَ شيئًا، كما أن استخدام ورقة المليشيات إلى جانب أنها غير مضمونة، فهي مقيدة بالسلوك والموقف السعوديّ ومن بعده الإماراتي الذي لا ينظر إلى هذا التحَرّك على أنه في صالحه، ومع فشل سلسلة عقوبات وإجراءات اقتصادية حاولت واشنطن توظيفَها في معركة اليمن لضرب الداخل، وما رافقها من الفشل الاستخباري والقصف المباشر للبلاد. هذا قاد لفكرةِ إعادة التصنيف الأمريكي لليمن باسم العقوبات ضد “أنصار الله” كجماعةٍ إرهابية، حَيثُ ما من خيارٍ لمواجهة هذا البلد سوى محاولة توظيف هذه الورقة وما يمكن أن يترافق معها، لكن ما نسيَه الأمريكي وهو يقر هذه العقوبة ذات البُعد الإنساني المرتبط بالعمل الاغاثي في المناطق اليمنية أنه يعلن بهذا حربًا ضد اليمن، ستقود صنعاءَ مع تأكيدها المضيَّ في الطريق الذي رسمته للانعتاقِ والخَلاص من آثار الهيمنة الأمريكية، إلى إعلان استهداف مصالح أمريكا كما فعلت في المواجهات البحرية، وإلى جانب هذا فهناك الكثير مما يمكن فعله لمعالجة تأثيرات القرار الأمريكي، حَيثُ هناك معادلة توازن القوى الجديدة في العالم والتي سيكون لها دور فاعل في ذلك.